"الكنوز في المغرب"
لا يزال الاعتقاد قائما حتى اليوم، لدى سكان بعض الجهات في المغرب بان مياه نهر او نبع ماء أو اذا لمست قطعة حديد، فإنها سوف تحولها الى قطعة من المعدن النفيس، وهكذا يعتقد الناس في منطقة (بوكماز) مثلا وهي منطقة تقع في أعالي جبال الاطلس الكبير باقليم ازيلال، ان المياه الغزيرة الموجودة بمناطقهم محملة بشكل طبيعي بالزئبق الأحمر الذي ما ان يلمس الحديد حتى يحوله الى ذهب خالص!
ولكن اعتقاد المغاربة في كون باطن أرض بلدهم مليئا بالكنوز، يظل هو الأكثر شيوعا بدليل ما تنشره الصحف من حوادث قتل ونصب واحتيال يكون احد طرفيها بالضرورة نصابا ضحك على ذقن طماع وابتز امواله، بدعوى تمكينه من كنز مرصود بالجن.
ويعد البحث عن الكنوز احد مجالات السحر التي تحظى باهتمام صنف خاص من المتعاطين للسحر، الذين يتكتلون في اطار شبكات متخصصة في عمليات التنقيب، لإخراج الكنز أو الخبيئة من مخبئها المرصود - منذ الأزل - بالجن المكلف بحراستها!
معتقدات مغربية حول الكنوز
يعد ظهور قوس قزح في السماء اعلان استغاثة، من كنز يشير للعارفين بسره، الى مكان دفنه، حتى يأتوا اليه ليخلصوه من أسر الجن الحراس! وحدهم العارفون بأسرار الكشف عن الكنز والخبيئة في استطاعتهم تحديد مكان تواجد موقع الدفن، عند قدم قوس قزح واخراجه من مخبئه السري - من دون خسائر.
وان الذي ينصت للمغاربة - يقول عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون - يعتقد ان المغرب مستودع عجائبي للكنوز - ففي منطقة يؤكد لك اشخاص رزناء متزنون انهم يملكون الاادلة القاطعة على ان ثروة هائلة من القطع الذهبية والأحجار الكريمة والأسلحة الغالية، قد اكتشفت اخيرا مدفونة في باطن الأرض وان استخراجها وشيك.
واذا ما أراد شخص غير متخصص في استخراج الكنوز أن يرى موقع الخبيئة أو الكنز بسهولة، ثمة طرق في غاية اليسر، ومنها ان يأكل قلب طائر النورس نيئا، فإنه يرى (من وجهة نظر المعتقد) كل ما هو غير مرئي في مخابئ الكنوز والجن الذي يحرسونها تحت الأرض.
وهؤلاء الجن الحراس هم مخلوقات ذميمة وقزمة، تسكن في شقوق باطن الأرض والمغارات والخرائب والحفر, وهي لا تنام أبدا، بل تغفو فقط فوق ركام الذهب والفضة والأشياء النفيسة الأخرى التي اوكلت اليها مهمة حراستها من طرف ملوك الجن.
الاحتواء
ومن أكثر المناطق المغربية شهرة باحتواء الكنوز، نذكر منطقة سوس (الجنوب) ومراكش وآيت عتاب عند مقدمة الاطلس الكبير، وبشكل عام كل المغارات وأطلال الخرائب والحفر (خصوصا تلك الموجودة منها في المقابر القديمة).
ففي مراكش مثلا، صرح ساحر يتشغل في مجال التنقيب عن الكنوز انه توجد منطقة شاسعة يناهز طولها ثلاثة كيلومترات، في ضواحي تلك المدينة الحمراء يعج باطنها بالكنوز!
وتدعم مثل هذه المزاعم بعض الأساطير التي يحفل بها الفولكلور المحلي هناك، حيث يحكي ان الجن الذي يقومون بحراسة تلك الكنوز الكبرى يسمع صخبهم الذي يحدثونه كل ليلة خميس، فهم - حسب الاسطورة - يغالبون النعاس الذي يداعبهم في أعقاب اسبوع من الحراسة الأمينة، بالرقص الصاخب والعزف على الغيطة (المزمار) والضرب على الطعريجة (الطلبة)، ويتعالى ضجيج حفلهم الاسبوعي الساهر من أعماق نهر تانسيفت الذي يمر تقريبا من مراكش.
وان استخراج الكنوز ليس لعبا، بل هو عمل في منتهى الخطورة لما يضمره من مجازفة قد تقود كل من يقدم عليها من دون معرفة عميقة بعلوم «الجداول» والتعزيم، الى حد الاختفاء عن الوجود عند أي خطأ يقوم به! والباحثون عن الكنوز رغم كل «علمه» وحكمته لا يستطيع ان يستخرج كنزا من مخبئه دون اللجوء الى مساعدة، وغالبا ما يقوم بالعمل فريق من «الطلبة» (الفقهاء الحافظون للقرآن) الذين يستعينون بشخص له علامات خاصة تدل عليه ويسمى في اللسان الدارج للمغاربة «الزوهري».
والزوهري هو انسان ذكر أو أنثى لا يستطيع الروية من بعيد، راحة يديه ملفوقتان (خط يقطع راحة يدع عرضا) وكذلك لسانه, وهذه العلامات تدل على ان من يتوفر عليها هو من أبناء الجن تم استبداله في مولده، بأحد ابناء الآدميين, وهذه الصفة فالزوهري لا يخاف الزوهري من الجن امثاله ان هو اقترب من الكنز, ولذلك يلجأ السحرة الى خطف الاطفال الذين لديهم يدان ملفوقتان للاستعانة بهم لنقل محتويات والكنوز,,, ينزلونهم لينوبوا عنهم في افراغ المحتويات النفيسة تحت الانظار العاجزة للجن الحراس, ولو فعل السحرة المنقبلون ذلك بأنفسهم لتعرضوا لانتقام لا يرحم، حيث يقوم الحراس برميتهم في مكان يبعد بمسافات طويلة عن مقع تواجد الكنز.
وكثيرة هي الحكايات التي تتردد على مسمع الباحث حول الموضوع، وتؤكد جميعها اختفاء عامضا لساحر متهور لم يلتزم بالمحاذير عن جهل أو تقصير أو استهتار.
وكانت المعتقدان السحرية في الماضي، تنذر الزوهري لمصير بشع يتحدد في ذبحه فوق موقع الكنز، لأن الجن الحراس متعطشون جدا لدماء هذا النوع من المخلوقات، الذين ترى فيهم الأسطورة جنا تربوا في كنف البشر, وربما كان هذا الاعتقاد مرتبطا بطقوس القرابين البشرية التي كانت تقدم عند مواقع تواجد الأرواح لاسترضائها، لكنه حسب معلوماتنا انقرض من وصفات السحرة.
المستودع
الحكاية نفسها تتكرر دائما: «يأتي اثنان أو ثلاثة من الفقهاء السويين (المنحدرون من منطقة سوس في جنوب المغرب) الى قرية ويطلبان «ضيف الله» يأكلون ويصلون ثم ينامون عند مضيفهم, وعند منتصف الليل يغادرون ببت المضيف في اتجاه مجهول حاملين معهم عدة غريبة للحفر وتقليب الأرض, و اذا ما غامر شخص باقتفاء آثارهم، فإنه سوف يقضي ساعات الليل مراقبا طقوسهم الغريبة التي يقومون بها على ضوء ضموع، حتى فريق المنتقبين من بينهم الأقدر على تلاوة «العزائم» والسور القرآنية من دون توقف طيلة المدة التي تستغرقها العملية، بينما الآخرون يشتغلون في صمت، وإلا أثاروا نقمة الجن الحارس للكنز عليهم، بدل استرضائه والدفع به الى مساعدتهم في استخراج الكنز, وقد ينجم عن نقمة الجني الحارس «نفي» المنقبين الى ربوع خالية في أطراف الأرض البعيدة، أو اخفائهم نهائياً عن الوجود,,.
ويشكل الديك عنصراً أساسياً في وصفات البحث عن الكنوز: فهناك وصفات «للكشف عن الكنز أو الخبيئة» بواسطة: «الديك الأفرق، والديك الابيض وبيضة الديك، الخ, وتعتبر تلك التي تعتمد على الخصائص السحرية لبيضة الديك هي الأسهل في زعم السحرة».
ومن أجل الحصول على هذه البيضة العجيبة (التي لا وجود لها الا في خيالهم)، يترك الديك سبع سنوات في خم الدجاج، وعند متم السنة السابعة، يضع بيضة من الذهب، يستعملها (الطلبة) في الكشف عن الكنوز, وتتم العملية بسهولة متناهية كالتالي: «توضع البيضة الذهبية في المكان المشكوك في تواجد الكنز فيه، فاذا كان الكنز موجوداً بالفعل، فإنه بمجرد وضع البيضة فيه، ستنفتح الأرض (مثل كنز علي بابا) ليحمل الباحث من محتويات الكنز ما يشاء»!
من الوصفات الأخرى التي تدخل في عمليات رصد مواقع الكنوز، هناك تبيع الديك» وتفصيله كالتالي: يكتب الساحر سورة الشعراء بماء الزعفران المخلوط بماء الورد يوم الاثنين والشمس في السماء، ثم يضع الورقة في جلد ضبع مع قليل من التراب المأخوذ من جحر ذلك الضبع، ويعلق كل ذلك في عنق ديك ابيض، ثم يخلي الساحر سبيله بعد ذلك في المكان الذي يشك في وجود الكنز فيه، ويبخر بالقصبر، ولن يتوقف الديك عن البحث الا بعد العثور على الكنز، حيث سيشرع في نبش الأرض بمخالبه وهو يصيح وينتفض!
وللكشف عن مكان الكنز أيضاً، ينصح البوني بكتابة الأضمار على أربع بيضات بنات يومها (أي باضتها الدجاجة في اليوم نفسه الذي تستعمل فيه)، ثم يطلق البخور ويربع (لي يرسم مربع حول المكان المشكوك في وجود الكنز فيه)، وتوضع مجمرة وسط المكان ويقرأ عليها قسم الطاعة (لا نجد فائدة في سرده، لطوله ولتضمنه لعبارات ورموز سحرية غريبة) 21 مرة واقفاً فإن البيضاء الأربع، يزعم البوني، سوف تجتمع على المحل المقصود.
فتح واخراج الكنز
يرسم الساحر جدولا في ورقة، ويضيف اليه خصلة من حرير أو صوف أو ريش ويبخر بالمقل الأزرق والصندل وهو يقرأ سورة الكهف الى زن تطير الخصلة نحو المكان المتواجد فيه الكنز.
وإذا لم تطر رغم كل ذلك، فمعناه أنه لا وجود لأي كنز!
وعندما يكون في المكان كنز، قد تحلق في الجو نحلات، فهي من حراس المكان، ويستطيع الساحر ان يتخلص منها بتبخير المكان بالبخور الطيبة الرائحة.
اما اذا خرج من الارض نوع من الجعران الذي هو في الحقيقة عبد من قبيلة الجن التي يحكمها (دعيوش) فان الساحر يردد بعض الطلاسم المفهومة ويبخر المكان فول الكنورز (وهي مادة لا يعلم شكلها وحقيقتها الا السحرة الباحثون عن الكنور) فينسحب الجعران الى مخبئة وقد تخرج بعده ضفادع هن في الحقيقية اناث الجن الحاسرات للكنز، فيقرأ عليها الساحر سورة من القرآن فيختفي بعدها، فيخرج ثعبان هو في حقيقته جني من قبيلة المذهب (ملك الجن) فيقرأ الساحر سورة اخرى ويبحر المكان بالقصبر، فيفر الثعبان وليظهر بعد تيس (ذكر الماعز) او حيوان اخر يمشي على اربع قوائم فذلك يهودي (كذا) يقرأ عليه الساحر سورة اخرى ويبخر بروث (زبل)البهائم فيختفي الحيوان ليظهر بعده جمل وهو اصعب عائق قبل الوصول الى الكنز.
يقرأ عليه الساحر سورة معلومة لديه من السور القرآنية ويبخر بالمسك والعنبر وبعض البخور الاخرى الطيبة الرائحة فيختفي الجمل فاسحا للساحر المجال امام الكنز اخيرا.
ويستطيع الساحر ان يتفادى كل تلك العوائق التي ذكرنا، بعمل بسيط يتمثل في كتابه سورة الملك في صحن، ويغسله بماء يرش به موقع الكنز، فان الجن الحارسين له لن يستطيعوا المكوث بالمكان، ويستطيع الساحر بيسر اخذ ما يشاء منه.
وتصور روايات اخرى الجن الذين يحرسون الكنوز في شكل مخلوقات ذميمة قزمة تسكن شقوق باطن الارض والمغارات والحفر، وهي لا تنام بل تغفو تحت قباب الذهب والفضة ومناجم المعادن النفيسة التي هي مكلفة بحراستها من طرف ملوكها (ملوك الجن).
ويعتبر موشون ان هذه الاسطورة اتت الى المغرب من الشرق القديم، ولابعاد هذه المخلوقات المرعبة، يوقد الساحر النار في مجمر ويحرق فيه: «اشواك القنفذ واوراق بعض النباتات، من بينها حبة الحلاوة العمياء، والشب وبعض الحبوب الاخرى المختلفة مع مشيمة حمارة ولدت للمرة الاولى وحافر حمار وحرباء حية بعد ان يقطعها الى اجزاء، والكبريت ودرقة (قشرة) سلحفاة الماء وفك كلب».
واذا ما اخطأ الساحر في الوصفة او في الطقوس المرافقة، فان تلك العفاريت القزمة سوف تحمله مع كل النقابين المتطفلين المرافقين له، لترمي بهم بعيدا....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق