Test Footer 2


أنا منحوس


أنا منحوس..أنا منحوس.....هذا ما كان يدور في رأس ابراهيم..الذي طُرِد للتو من عمله...نعم كان النحس رفيق درب ابراهيم في كل شيء..نعم كل شيء..فقد طلَّق للتو ..و حُِرِم من رؤية إبنه ...حتى المحكمة حكمت عليه بنفقة مرتفعة....و ها هو يُطرَد من عمله..بعد أن اكتشفت كاميرات المراقبة في المصنع..أنه نام أثناء العمل...و كانت أول مرة ينام فيها لتصبح آخر مرة يتواجد فيها في الشركة....
منحوس....منحوس...منحوس..... يككرها و هو سائر في طريقه لا يعرف حتى أين يذهب..
ماذا سيقول لوالديه الذين يقطن معهم بعد أن طرده صاحب المنزل الذي يكتريه.....
سار في طريق لا يعرف أين نهايتها....طريق طويلة ....و هو يفكر في هذا النحس المبالغ فيه الذي أصابه..أ هي لعنة....أم سحر التابعة أم ماذا........
عندما أفاق من أفكاره وجد نفسه قرب مقابر الشهداء الموجودة في ضواحي المدينة..قطع المسافة دون أن يحس....و آن له الرجوع بعد أن أقنع نفسه أنه فعلا منحوس....في طريق عودته لاح له خاتم بفص أسود...حمله..و فحصه..كان خاتما من الفضة بفص أسود و كانت فيه زخارف عجيبة...يظهر أنه ثمين ..و يظهر أيضا أنه سقط لأحد الميسورين الذين يلجون المقبرة...فالمقبرة معروفة أنها فقط للميسورين من الناس...وضعه في أصبعه....يا سبحان الله نفس قياس أصبعه....فعلا خاتم جميل...أحس ابراهيم بالنخوة تجتاح كل جسمه...فأغلى ما ملك في حياته هذا الخاتم....
لم يكن يعلم أن الخاتم يحمل أكبر لعنة...و أن تلك الزخارف كانت في الأصل طلاسم سحرية..و أن مالك الخاتم الأصلي مات بسبب الخاتم و دُفِن في نفس المقبرة.....

فرح ابراهيم بالخاتم....رجع لبيته و أخبر والديه بما كان من طرده من المصنع...فطمئن الوالدان إبنهما أن هذا مكتوب من الله..و وجب عليه الصبر.......
في الليل ..كانت أحلام إبراهيم وردية...حلم بسيدة جميلة تزوره و تعاكسه و تراوده.....أحلام استيقظ ابراهيم صباحا بروح مرحة ..و مر زمن لم يعرف الفرح له طريقا.....أمضى يومه يفكر في تلك السيدة التي زارته في الحلم....جميلة كانت..بل أجمل حتى من اللبنانيات ..اللواتي كان ينتظر نوم والديه ليتفرج على كليباتهن.....
في الليل ..زارته نفس السيدة في الحلم...كانت تطلب منه أن يكون عشيقها...و ستحقق له كل أمانيه...وافق طبعا(في الحلم) اقتربت من وجهه و قالت له..الويل لك إن خنتني..تبدل وجهها لوجه مرعب ..وجه أسود مملوء بالشعر ..و عينين حمراواتين ....مرعب لدرجة أنه استيقظ مذعورا فزعا و هو يتعوذ من الشيطان الرجيم...أحس ببرودة في الغرفة...كان جسده يقشعر لا يعرف هل من الحلم أم من البرودة...و لما ألفتا عيناه الظلام لاح له شكل آدمي في السقف ..نعم في السقف ...و كأن الشكل الآدمي يراقبه.....
أضاء النور بسرعة..لا شيء ..ما هذا هل يتخيل أم ماذا...ليس غريبا أن يتهيء له هذا فهو منحوس...ما إن مد يده ليطفىء الضوء حتى جائه صوت نسائي حنون وراءه..ابراهيم اترك الغرفة مضائة..أريد الكلام معك....استدار بسرعة ليلمح تلك السيدة الجميلة التي كانت بطلة أحلامه..نعم هي..ماذا هناك من أنت..رددها ابراهيم مذعورا ....أجابته ببرودة..أنا جنية طلاسم الخاتم...و قد أصبحت عشيقتك... إسمي مطلاشة من الجن الطيار....صرخ ابراهيم و عقله لا يستوعب ما يقع له..ابعدي عني ابعدي عني...ما إن بدأ ابراهيم في الإستعاذة من الشيطان..حتى أحس بفمه يعوج.. و كلامه وصل لأذنه كهمهمات..لا تُفهم..ردت مطلاشة بنبرة قوية..إهدأ أو سأعاقبك بما هو أكثر..فلست الأول ممن ينال عقابي و لن تكون الأخير...سقط ابراهيم أرضا و أذناه تسمعان ما تقول هاته المخلوقة..و التي أكملت قائلة...لقد وافقت على عرضي في الحلم..و الآن أنت عشيقي ..سأغير حياتك إلى أحسن من الحياة المنحوسة التي تعيشها..و لكن ستكون لي..لي فقط...تغير شكلها إلى نفس الشكل المرعب في الحلم....فتحت فمها ليتدلى لسان مشقوق كلسان الأفعى...الويل لك إن خنتني ابراهيم..عقابي سيطال والديك و إبنك و سأدعك للنهاية...لتموت ألف مرة قبل أن تعرف الموت الحقيقي الذي ستتمناه إن خنتني....
عباراتها تدخل آذان ابراهيم كقطار وسط قطيع أغنام.....و ترددت لرأسه...أنت منحوس..منحوس........

بعد ما جرى لإبراهيم تلك الليلة...أمضى يومه كأبله معتوه..أفكاره مشتتة لا يستطيع تجميعها...أ معقول ما حصل له..كان حلما،و لكنه كان مستيقظا..و من حينها لم ينم...هي من الجن....نعم الجن ...ستبدل حياتي إلى أحسن..أم أنها فقط ضربة من ضربات نحسي المتكررة...قالت إنها سيدة الخاتم..نعم الخاتم.....حاول ابراهيم جاهدا نزع الخاتم بدون نتيجة..حاول بالصابون ...بالماء..و لم يتزعزع حتى...كأنه قطعة من جسده.......
في الليل و كان متحسبا لكل ما يجري في غرفته..حتى أنه ترك ضوء المصباح ليرى كل حركة تخرج عن المألوف....صمد ابراهيم لسلطان النوم...و تتثاقل جفناه..حتى سمع صوتا نسائيا ألفته أذناه.....حبيبي ابراهيم....التفت بسرعة ليرى مطلاشة جالسة بجانبه في السرير..بنفس شكل المرأة الجميلة...لماذا تخاف مني...و إن أكن جنية فإني أعشق الإنس،خصوصا الرجال...و بتلبيتك طلباتي سأجعلك في غنى و نعيم و ستودع حياتك السابقة لم هو أحسن..فقط كن طوعا لي ..ابراهيم يستمع لها دون أدنى حركة..يحاول التركيز..و خرجت كلماته متقطعة ....لماذا الخاتم لا يمكنني نزعه من أصبعي....ضحكت مطلاشة..لأنك أصبحت لي ..و لن يفارق جسدك حتى يأتيك هادم اللذات..اللذات..كررتها مطلاشة بشهوة...و هي ما أريده منك..و إلا..............
أحس ابراهيم بفمه يعوج ثم يعود ثانية كما كان....أجابها ابراهيم ..حسنا حسنا..لكن هذا النوع من العلاقات حرام و في حكم الزنى.......ضحكت الجنية و هي تقول ..حرام!!حتى أنك لم تضع جبهتك يوما في صلاة..و أطول ما تحفظ من السور الكوثر..فكيف تتكلم عن الحرام...ما قلته لك ليس اختيارا و لكن غصبا و قوة..فأنت لي...
صوت داخل رأس ابراهيم يقول له..أنت منحوس حتى مع الجن.....جرب فليس لك شيء تخسره إلا حياتك..و حياتك بيد هذه المطلاشة فجرب .....يا منحوس..
رد حسن على الجنية حسن سأذعن لكل طلباتك...و سأرى ماذا ستغيرين في حياتي التعيسة..ضمته مطلاشة لها في عناق حار و هي تقول هكذا أريدك حبيبي..و لينطفىء الضوء و يغوصا في عالم الشهوة....العالم الذي سيجر عليه كل لعنات الدنيا...الشهوة التي كانت الفتيل الذي سيفجر كل النحس الموجود في الدنيا في وجه ابراهيم.......الذي هو فعلا منحوس.......

و توالت ليالي ابراهيم على هذا الحال...ليال من السهر و هو في أحضان عشيقته الجنية مطلاشة..يشبع رغباتها الحيوانية .....في البداية أعجبه حاله..لكن بعدها و بعد أن هزل جسمه..و ظهرت عظام وجنتيه..و لم يعد يملك من الجهد شيئا....امتصته تلك المصيبة مطلاشة ...و أصبح لا جسد و لا روح...كان في لياليه معها عندما يمنعها من لمسه تغضب ..و تبدأ في ضربه ضربا مبرحا......أصبح كحيوان أليف وجب عليه هز ذيله عند رؤيته لعشيقته.......النحس رفيق دربه..فقد كل شيء و جاء الدور على صحته....وعود مطلاشة بتغيير واقعه كان مجرد كلام تبخر في تلك الليال التي أصبح فيها كعبد لرغبات الشيطانة الجنية..و لم تكن تشبع...الآن عرف لماذا مات صاحب الخاتم السابق....قرر في قرارة نفسه أنه وجب عليه فعل شيء..و إلا مقابر أولاد الشعب في انتظاره.......
تلك الليلة....توضأ و صلى...صلى لأول مرة في حياته...أحس بنوع من الراحة رغم حالة الإجهاد التي هو فيها....و شغل سورة البقرة في المسجل لتعم كل أرجاء المنزل بنوع من السكون....بقي الشريط يُعاد و لم تزره مطلاشة تلك الليلة...فرح ابراهيم..هل هذه نهاية مآسيه...قرر في نفسه أنه سيواظب على الصلاة و سيكون نعم العبد في علاقته مع ربه...نام بارتياح لأول مرة منذ زمن بعيد...ليستيقظ على صوت هاتفه ..جاوب..كان في الطرف الآخر والدة طليقته...ابراهيم ابنك في المشفى..لقد سقط من الشرفة..حمدا لله أنها في الطابق الأول و إلا كان سيموت...لقد تكسر من رجله و تعرض لبعض الرضوض......كان ابراهيم يسمع كلام أم طليقته...و يوازي معها كلام مطلاشة بأن عقابها سيكون عسيرا..و ها قد بدأ عقابها للتو...ترسخت عينا ابراهيم على الخاتم..و خطرت في باله فكرة رهيبة...سيقطع أصبعه لينزع خاتم الشؤم..............

قرر ابراهيم أن تكون فكرة قطع أصبعه هي آخر ما سيلجأ إليه...بعد أن زار ابنه في المشفى....ذهب ابراهيم عند إمام مسجد حيهم....سرد له كل ما تعرض له منذ أن وجد الخاتم....تأثر الإمام بما سمع...و قال له..يا أخي الكريم...إنما أخفى الله عنا عالم الجن لحكمة فقط سبحانه يعلمها...فلا خير في التعامل معهم..إلا إن كان تدخلا منهم في الخير دون مقابل و في الخفاء...أما أن تنتظر خيرا من الجن فكأنك تسكب مياها في الرمال....سآخذك عند صديق لي له علم أكثر بالغيبيات..جرجر ابراهيم رجليه وراء الإمام قاصدين بيت صديق الإمام الذي استقبلهم بحفاوة..بعد استماعه لابراهيم ..بدأ في رقيته ..بعدها أخبره أنه محظوظ...كلمة محظوظ دخلت رأس ابراهيم لتصطدم برسوبات نحس لها زمن...
كيف يا شيخ..أخبره الشيخ أنه ليس ممسوسا..و أن علاقته مع تلك الجنية علاقة خارجية...بدأ الشيخ في قراءة القرآن على الخاتم ..لا شيء...لاحت في رأس ابراهيم..قطع أصبعي هو الحل الوحيد.....
اتجه الشيخ ليبحث في كتب قديمة ...و جاء بعد مدة ليخبره أنه في قديم الزمن ..كان هناك سحر يسمى سحر الإنتقام ..حيث يعطي الشخص لمن يريد الإنتقام منه هذا الخاتم و الذي يحتوي على كتابات و طلاسم قديمة تتقيد بجني أو جنية ...على حسب نوع الإنتقام......و تعاسة حظك قادتك لهذا الخاتم الذي الله أعلم بمن كان يملكه و كيف...إن استطعت انتزاع الخاتم تنتزع اللعنة..واظب على صلاتك بني و تأكد أنها لن تلج منزلك إن شغلت سورة البقرة في البيت....و إن شاء الله سنرى ماذا سنفعل...
نحس ابراهيم أنساه أن يكلم الشيخ عن انتقام مطلاشة الموعود بأسرته.....
ذهب لبيته و نام ليله هانئا بعد أن ترك سورة البقرة توزع السكينة و الإرتياح في أرجاء المنزل ...استيقظ و هو يمني نفسه باقتراب الفرج.....استيقظ في العصر...بحث عن والديه فلم يجدهما..هاتف أباه ليخبره أنه سافر و أمه عند أخيه في البادية لمرض ألم بإبن أخيه...كان ابراهيم قد تناسى عقاب مطلاشة....
في الليل رن هاتفه يحمل الخبر المؤسف..لقد توفي والدك....سقط في البئر...سقط ابراهيم أرضا....ماذا ...أبي مات لا يمكن ..لا يمكن...إنها هاته الملعونة إنها هاته الملعونة...سأنتقم لك أبي ..أقسم أن أنتقم لك..و قبل أن تقتل كل أفراد أسرتي.....
كان ابراهيم و كأن صخرة نزلت عليه لتكسر كل مخاوفه...اكترى غرفة في فندق رخيص...انتظارا لعشيقته الجنية...و فعلا كان ما توقع..أحس ببرودة كما كان يحس كلما كانت تزوره...جائه صوت من خلفه..لم يا ابراهيم... لماذا...التفت ابراهيم في برود...لماذا أنت..لم تنفرين من عالمك بحثا عن الشهوة في عالمنا..لماذا أنا بالذات...لماذا تنتقمين من أسرتي...إن كان لكي شيء فهو معي....لماذا قتلتي أبي يا ملعونة...صرخها بقوة...أجابته..أنت من أراد هاته النتيجة..لقد حذرتك..تبدلت مطلاشة إلى نفس الشكل المرعب..لكنها لم تهز شعرة في رأس ابراهيم....لقد خسر كل شيء و لم تعد تهمه حياته..لأول مرة بدأ ابراهيم يستمد شجاعته من نحسه...................مفارقة غريبة......
اقتربت مطلاشة من ابراهيم..تعال حبيبي نرجع كما كنا....صرخ ابراهيم كيف نرجع و قد قتلتي أبي...ردت الجنية..و سيكون الدور على أمك و ابنك و أنت بعدهم....قال ابراهيم ببرود لم يعهده في نفسه....لن أدع لك الفرصة أيتها اللعينة و بما أن هذا الخاتم هو ما يجمعني بك..قالها و أخرج سكينا وضعه على أصبعه و هو يصرخ..هذه نهايتك..و ضغط بكل قوته على السكين...ليسقط أصبعه و يسقط الخاتم...و لتختفي الجنية و هي تصرخ ......هكذا كان...لم يعد يكترث حتى لنفسه.....حمل الخاتم و أصبعه...و غادر الغرفة ...صابرا على آلامه ....
انتهت مأساته مع الجنية و جاء وقت الإنتقام...بعد أيام ..ذهب ابراهيم إلى أحد الصاغة...عرض عليه تذويب الخاتم مقابل مبلغ من المال على أن يحضر عملية التذويب..و ذلك ما كان..أذابت النار الخاتم..و احتفظ ابراهيم بتلك الفضة التي غدت خاما.......
شرع ابراهيم في البحث عن عمل ..ليبدأ حياته من جديد ...و هو متيقن أنه منحوس..و إن كان منحوسا سيبدل حياته إلى أحسن...و سيحاول ..و يكفيه شرف المحاولة إن لم يصب...فلم يعد لديه شيء يخسره سوى النحس المرافق له....

تمت...........كمال

لا تنسى دعمنا بلايك إن أفادك الموضوع و شكرا

هناك 3 تعليقات: